السعر الأصلي هو: $4.94.$3.94السعر الحالي هو: $3.94.
يتناول هذا الكتاب قضايا تهم الشعر القديم والحديث نصاً ورأياً نقدياً، ربما توحي بدراسات أخرى عن الدراما وأصولها وجذورها الاولى، وحدود الغناء والسرد والتجسيد، وهل يمكن أن يبدع الشاعر العربي الدراما، ومدى طواعية الشعر لها، وأثر اللغة في تكوينها، ودور النقد اللغوي والبحث عن الجملة الشعرية والاسلوب الخاص في نمائها وتطورها ؟
وليست غايتي من كتابة هذا البحث أن أثبت أو أنفي، بقدر ما يمكن أن تقدم المتابعة والرأي الشخصي من حقائق وتجلو من أفكار وتوطىء لدراسات أخرى، وتكون بين يدي الشاعر المحدث عونا أو منطلقا ليدرك تأثير موقعه المعاصر في مستقبل الشعر بما يضيف أو يقدم أو يرتضي من أنماط شعرية .
ولا تلغي الدعوة الى الشعر المسرحي النشر في المسرحية، والدراما تعين الشعر الغنائي على الا يسود وحده، بعد أن مر بعهود طويلة من التكرار والتقليد، فيستعيد بهاءه وأصالته الى جانب الأنواع الشـعرية الأخرى، وان كان المسرح مدرسة الشعب، يمثل ذات الامة ويعبر عن واقعها ومشكلاتها، فليس لشعرائنا أن يكونوا بمنأى عنه، في خطواته الجادة الأولى.
أبدع الغنائيون قصائد، وأعجبوا بما فعلوا، وطوقوا ابداعهـم بأغراض ومضامين محددة، واستنفدوها باعادة ومحاكاة وتكرار، وتطلع القارىء، عبر أجيال، الى أكثر من هواجس خاصة معـادة و نوازع رومانسية ضيقة، وموضوعات معينة لا تهم، في كثير من الأحيان، الا أصحابها بفرديتها .
وخذل شعراء القارىء بالتزامهم نهجاً لا يحيدون عنه، يثقلونه بالتقليد ويستهلكونه بأنماط ثابتة، ، ولم تدفع أصالة شعرائنا الكبار الى تجاوز وتفوق واثارة في البحث عن مضامين جديدة وأشكال مبتكرة تحتويها .
وظل الشعر غنائيا، ولا يخلو شعر أمة من الغنائية، وليس لأحـد أن يلغيها، على الا تطغى وتسود فتميت الأنواع الشعرية الأخرى التي تبدأ، أول ما تبدأ، فيها ومن خلالها، وأورث الاصرار على الغنـائية، وموضوعاتها الرومانسية السائبة، المتلقين احساساً بظلم عاطفي، وصار الشعر التقليدي تعويضا واسقاطا ودواء غير شاف لمرض متخيل وهمي وبدت مضامين شعرية عابثة عارية تبحث عما ينتشلها ويحتويها في أجـواء تحـددها .
واهتدى شعراء الى مواقع وأشكال مغايرة . وظهرت موضـوعات ومضامين غير معهودة، وامتدت آفاق مجهولة تبحث عن رواد، وحمل العصر الحديث، بتحولاته وتعقيده، الشاعر والناقد والمتلقي مسؤولية كبرى أمام الامة و التاريخ والتراث الشعري بأمثلته الجيدة الباقية وبرزت أهمية نزوع الشعراء الى أنماط جديدة مبتكرة، وظهرت في أوائل هذا القرن قصائد مطولة تتداخل فيها اجواء متنوعة، نراها في شعر المهاجر وأبولو وجماعة علي محمود طه وغيرهم، ممن أسهموا، بقدر ما، في المحاولات الجديدة المحدودة، ولم يستطيعوا أن يمدوا الرومانسية بدماء تقيها عشرات النصف الثاني من القرن العشرين يصبح وانتفض شعراء على القوالب القديمة يحاولون أن يغيروا من أحجامها وهيئاتها.
وما عاد الشعر الغنائي، باسلوبه المتوارث، يقوى وحده على احتواء تجربة الانسان المعاصر، فقد زاحمته مرحلتا السرد والتجسيد، وكان لابد للمسرح أن امتدادا للشعر وللقصيدة أن تقترب من الروح الدرامية وأن تعبر عن الصراع والتأزم الذي وقع تحت وطأته الشاعر المحدث بتشابك حياته الفكرية القائمة، وتفاعل الموروث بالوافد .
وتحول القـارىء من مؤيد مصفق الى مشارك في العملية الابداعية، باستيعابه وتفهمه وتمثله و نقده للنص، وبدأت تنحسر ظلال غنائية لتحل مكانها اجواء درامية، وتضاءلت الاغراض القديمة، وصار الانسان مدار مضامين شعرية تحمل سمات محلية واضحة تؤدي الى عالمية في الذيوع والانتشار.
وظهرت أشكال بسيطة المسرحية الشعرية، وجرت محاولات قبل شوقي، وجاء أمير الشعراء فبوبها وقدم لنا قصائد مطولة تقطع الشعر الغنائي حوارا بين شخوصها وتستمد الحدث الدرامي من التاريخ دون فهم معاصر أو رؤية خاصة أو ربط الماضي بالحاضر، وسار على هدي شوقي كثيرون، وظلت الغنائية طاغية.
وفي مسيرة البحث عن أرضية ثابتة متينة للشعر العربي الحديث ومضامين صادقة تكشف عن انساننا الحقيقي، وتمثل حياته وواقعه، وأنواع شعرية تستوعب تلك المضامين، متطورة وقابلة للتجاوز، تظهر لنا أهمية البحث فيما يتعدى الغنائية الصرف الى أشكال اخرى يتطلع اليها الشعر في مرحلته الحاضرة فالقصيدة الغنائية وحدها لا تحقق بعـد اليوم . كما كانت في الماضي، للشاعر خلوداً ولأدب أمة ما مكانة عالمية . وهذه الحقيقة تحمل خذلان الشاعر المحدث ومعاناته في هذا المنعطف الخطير من تاريخ أدبنا المعاصر ومستقبله الذي لم تتضح سماته بعد، ولم لا تكون لدينا قصيدة غنائية، وقصة شعرية، وقصيدة ممسرحة، وأخرى حوارية، ومسرح شعري وشعر مسرحي فيتخذ أدبنـا مـواقع جديدة ؟ ! وان كنا نبحث عن هذه الاشكال في شعرنا المعاصر أو أصـولها في الشعر القديم أو ندعو اليها أو تتمنى وجودها، فهل يعني هذا أن أدبنا الضخم يفتقر اليها ؟ !
ان البحث قد يؤدي الى نتائج محددة، أو يعني القارىء في معرفة الاسباب والحقائق . ولا يضير أدب أمة أن يخلو من نوع شعري معين في ظروف وأحوال، وربما يورث ذلك حسرة، ولكنه لا يعـد احساسا بنقص، فليست الكتابة عن الجذور الدرامية في الشعر العربي، ان وجدت، دفاعاً أو تغطية أو تلفيقاً أو وضع الشعر العربي الى جانب التراث الشعري العالمي والقيام بدراسة أو موازنة أو مقارنة لا تصح، والا كنا كمن يقرر أن اليونان عرفوا الأطلال أو أحسوا بالعار لأن شعرهم خلا من البكاء عليها.
جلال الخياط